جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2024/11/14
في الوقت الذي يُعتبر فيه الرجل الذي يُنظر إليه على نطاق واسع كخليفة المستشار الألماني أولاف شولتز ملتزماً تماماً بسياسة "مكابح الديون" التي تضع حدودًا صارمة على الاقتراض الحكومي، وهو الإجراء الذي كان وراء انهيار التحالف الحاكم الحالي، إلا أن فريدريش ميرز، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي المعارض، قد يجد نفسه في المستقبل القريب أمام ضغوط قوية لمراجعة هذه السياسة.
ميرز، الذي يتصدر استطلاعات الرأي قبل الانتخابات المبكرة، قد يجد أن السياسة المالية الصارمة، التي تمثل عائقًا أمام التمويل الحكومي، لا تناسب التحديات الاقتصادية الحالية في ألمانيا، حيث تواجه البلاد مشاكل في السكك الحديدية المتداعية، علاوة على المدارس المتهالكة، والقوات المسلحة غير المجهزة، واقتصاد يعاني وقد يواجه ضغوطًا إضافية نتيجة للرسوم الجمركية التي قد يفرضها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
في ضوء ذلك، نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" تحذيرات رجال أعمال بارزون وخبراء اقتصاديون من أن تعديل هذه القاعدة أصبح أمرًا ضروريًا من أجل تحفيز الاستثمار وتعزيز النمو الاقتصادي. أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة Heinrich Heine ، ينس سوديكوم، يقول: "نحتاج إلى استثمار مبالغ ضخمة بسرعة، وهذا مستحيل في ظل مكابح الديون الحالية.. ألمانيا ستصبح غير قابلة للحكم إذا لم تتم إصلاح هذه القاعدة".
كان انهيار حكومة شولتز المكونة من ثلاثة أحزاب قد أثار تساؤلات جديدة حول جدوى "مكابح الديون"، ليس فقط في ألمانيا، ولكن أيضًا في أوروبا حيث كانت ألمانيا تلعب دور "شرطي الميزانية" في الاتحاد الأوروبي لسنوات طويلة.
يدافع المؤيدون عن هذه القاعدة باعتبارها ضمانًا للاستقرار الاقتصادي و"قدوة" للدول الأخرى، بينما ينتقدها المعارضون معتبرين أنها "عبادة مفرطة" قد تمثل "تهديدًا للديمقراطية"، مستشهدين بالدراسات التي تظهر أن قلة الاستثمار قد تؤدي إلى صعود التطرف السياسي.
وفي الوقت نفسه، يدافع الحزب المسيحي الديمقراطي، الذي من المتوقع أن يتصدر الانتخابات القادمة عن الميزانية المتوازنة. ويتعهد بالحفاظ على "الاستقرار المالي" لصالح الأجيال القادمة. ولكن ميرز لم يُغلق تمامًا الباب أمام إصلاح مكابح الديون، حيث أشار إلى أنه في السياسة لا يوجد شيء مستحيل.
قصة مكابح الديون
تم إدخال "مكابح الديون" في الدستور الألماني عام 2009 من قبل المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، في محاولة للحد من الاقتراض الحكومي بعد الأزمة المالية العالمية، حيث ارتفعت ديون الحكومة من 63% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 81%. وهذه القاعدة تحد من العجز الهيكلي للحكومة إلى 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي، مع التعديل وفقًا للدورة الاقتصادية.
ومع ذلك، فإن الأزمة السياسية الحالية، التي نشأت بعد أن رفضت المحكمة الدستورية الألمانية خطط الاقتراض الحكومية، قد فتحت الباب أمام دعوات لتعديل هذه القاعدة. وحتى الآن، بدأ الضغط من أجل الإصلاح يزداد، بما في ذلك من البنوك المركزية الألمانية، وجمعيات الأعمال الكبرى، مثل "اتحاد الشركات الألمانية".
في بعض الولايات الألمانية، حيث تم منع الحكومة من تحقيق أي عجز منذ عام 2020، بدأ المسؤولون في التعبير عن استيائهم. وقال كاي فيجنر، عمدة برلين التي تعاني من أزمة مالية: "لقد تم تدمير ألمانيا بسبب التقشف".
ووفق الصحيفة، يختلف الخبراء بشأن المبلغ الذي تحتاجه ألمانيا للإنفاق في العقد المقبل من أجل تحقيق التحول إلى اقتصاد أخضر، ودعم الدفاع، وزيادة المساعدات العسكرية لأوكرانيا. لكن البعض، مثل لارس فيلد، أستاذ الاقتصاد في جامعة Freiburg ، الذي يعتبر من المدافعين عن "مكابح الديون"، يرى أنه لا حاجة لتغيير القاعدة، مشيرًا إلى أن الاحتياجات المالية الإضافية خلال السنوات العشر المقبلة قد تكون في حدود 400 مليار يورو، وهي أقل من ميزانية هذا العام.
ومع ذلك، يقول "مركز " (Dezernat Zukunft)، وهو مركز فكر يروج للإصلاح، في تقرير حديث أن ألمانيا بحاجة إلى إنفاق حوالي 780 مليار يورو بين الآن وعام 2030. ويؤكد ماكس كراه، أحد مؤلفي التقرير، أنه سيكون من المستحيل العثور على هذه المبالغ دون إجراء "تخفيضات شديدة" في الإنفاق، بما في ذلك نظام المعاشات، وهو ما يبدو ميرز غير مستعد للقيام به.
التحايل على القواعد
لكن في النهاية، يعتقد بعض المحللين بأن هناك بالفعل الكثير مما يمكن فعله ضمن القواعد الحالية التي تسمح بزيادة الاقتراض في أوقات الركود الاقتصادي. علاوة على ذلك، يمكن تعليق "مكابح الديون" في حالات الطوارئ. في هذا السياق، حاول شولتز إقناع وزير المالية كريستيان ليندنر باستخدام هذه الفقرة لتعليق القاعدة في سياق الحرب في أوكرانيا، لكن محاولاته باءت بالفشل.
من الممكن أن يقرر ميرز، الذي كان يشغل منصب رئيس بلاك روك في ألمانيا سابقًا، إنشاء صندوق استثماري خاص مشابه لصندوق بقيمة 100 مليار يورو أنشأه شولتز في عام 2022 لإصلاح القوات المسلحة الألمانية. لكن ذلك سيتطلب تعديل الدستور، مع الإبقاء على صيغة "فرامل الديون" الحالية.
وفي النهاية، ربما يشهد المستقبل الألماني نقاشًا طويلًا بشأن ضرورة تعديل الدستور أو القاعدة نفسها لتصبح أكثر مرونة، بحسب تقرير الصحيفة المشار إليه.
CNBC